«فندق أولد كاتاراكت كلمة السر».. من هنا بدأ انفتاح دول الخليج على الاستثمار في مصر


الخميس 02 مايو 2024 | 05:09 مساءً
فندق أولد كاتاراكت
فندق أولد كاتاراكت
محمود عبد الرحمن

منتصف صيف العام الماضي، استقبل فندق أولد كاتاراكت" الأشهر في جنوب مصر وتحديدا محافظة «أسوان»، والواقع على ضفاف النيل شخصيات بارزة، حيث يحظى الفندق على مدار تاريخه الذي يمتد لأكثر من قرن باستقبال شخصيات مثل ونستون تشرشل وجيمي كارتر والقيصر نيكولاس الثاني فيما كان مصدر إلهام لأعمال الكاتبة أغاثا كريستي الشهيرة.

الضيوف الجدد الذين استقبلهم الفندق كانوا أكثر حذرًا، حيث وصل أكثر من 12 مسؤولًا رفيع المستوى من الإمارات لتناول عشاء خاص، مرتدين الثياب البيضاء، إذ سبقهم فريق أمني تأكد من تأمين المطعم، بحسب ما أكده أربعة أشخاص كانوا هناك لم يكشفوا عن هوياتهم، إذ قام العاملون في الفندق باستقبال الضيوف وبعد أقل من ساعتين، غادروا المكان.

وبعد مضي عدة أشهر، وتحديدا يناير توضّحت الغاية من زيارة الضيوف إلى مصر، إذ أعلن صندوق الثروة السيادي في أبوظبي، المعروف باسم "القابضة" (ADQ)، عن شراء حصة بنسبة 40.5٪ بقيمة 882.5 مليون دولار في شركة مصرية.

وتمثل هذه الشركة حصصاً حكومية في سبعة فنادق رائدة في قطاع الضيافة في مصر، بما في ذلك "أولد كاتاراكت" في أسوان، و"وينتر بالاس" في الأقصر، و"مينا هاوس" في القاهرة، و"سيسيل" في الإسكندرية.

وتكررت مثل تلك الزيارات خلال الأشهر التسعة الماضية، لشخصيات بارزة من السعودية وقطر، بالإضافة إلى الإمارات، في مواقع مختلفة على ضفاف النيل وسواحل البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر. وبدعم من إيرادات النفط والغاز الوفيرة، بدأت هذه الوفود في استكشاف فرص تدعى بـ "صفقات القرن".

وفي 23 فبراير، أعلنت "القابضة" (ADQ) عن استثمار ضخم بقيمة 35 مليار دولار في مصر، يتضمن حقوق التنمية لمنطقة رأس الحكمة، وهي منطقة ساحلية على البحر المتوسط تزيد مساحتها عن ثلاثة أضعاف مساحة مدينة مانهاتن.

وتمثلت هذه الصفقة في أكبر استثمار في تاريخ مصر، وبدأت القاهرة في استلام الأموال خلال أيام، مما ساهم في إنقاذ الاقتصاد المصري، على الأرجح. 

ومن المعروف أن تخفيض قيمة العملة المحلية هو خطوة مؤلمة وحساسة سياسيًا، إلا أنها تعتبر عاملًا حاسمًا في استعادة ثقة المستثمرين وجذب المزيد من الأموال. وبالتالي، جاءت هذه الخطوة متزامنة مع قرض قيمته 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى تمويلات من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.

الغاية الرئيسية للإمارات في المدى القصير تتمثل في دعم اقتصاد دولة مصر، والتي يُنظر إليها على أنها "أكبر من أن تفشل". وكانت المخاوف الأساسية تتعلق بعودة الاضطرابات الجماعية التي شهدتها المنطقة خلال فترة الاحتجاجات قبل أكثر من عقد، وإعادة تمكين الإسلام السياسي، مما يشكل تهديدًا للأنظمة المستقرة. وقد تم التأكيد على هذا الأمر من قبل أشخاص مطلعين على القرارات، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم للحديث بحرية عن مناقشات حساسة وخاصة.

في هذا السياق، يتماشى المنطق مع التزامات إماراتية سابقة، مثل تلك التي أعقبت الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2013، حين كان قائدًا للجيش.

من ناحية أخرى، يُمثل اتفاق رأس الحكمة مستوى جديدًا تمامًا من الضخامة، حيث تضخ الإمارات أموالًا تعادل 7% من ناتجها المحلي الإجمالي. وفي هذا السياق، يقول زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء المصري السابق والرئيس السابق لهيئة الاستثمار المصرية، إن هذا التزام يظهر "موقفًا جديدًا ينظر إلى العائد من مثل هذه التدخلات الاقتصادية، ويحاول التوصل إلى صيغة مربحة للجانبين".

الدعم بالاستثمار لا بالمنح

في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، الذي زاد من تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد المثقلة بالديون، وعدت دول الخليج مصر بدعم مالي هام لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. وفي غضون أسابيع قليلة، قامت هذه الدول بإيداع مليارات الدولارات في البنك المركزي المصري، بهدف تجنب الكارثة المحتملة.

وقامت شركة "ADQ" بشراء أسهم بقيمة ملياري دولار في أكبر بنك مدرج بمصر، وفي شركات تعمل في مجال الأسمدة والخدمات اللوجستية. وقد استثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي مبلغ 1.3 مليار دولار في بعض هذه الشركات.

يظهر هذا التوفق الخليجي الجديد تحولاً في السياسة الاقتصادية، حيث لم تعد الهبات والمنح هي الهدف الرئيسي، بل أصبحت الدول الخليجية تسعى إلى تحقيق عوائد مالية على استثماراتها. وقد أثر هذا التحول على خطط مصر الاقتصادية، حيث قامت الحكومة بالتخلي عن مجموعة من الأصول التي كانت تمتلكها سابقًا، والتي كانت تعتبر إرثًا من الدور الشامل الذي كانت تلعبه الدولة في الاقتصاد لفترة طويلة.

في فبراير 2023، قامت السلطات المصرية بإدراج أكثر من 30 شركة لتكون متاحة للمستثمرين لشراء حصص فيها، في قطاعات تشمل التمويل، والنفط، والعقارات، والموانئ. ولم تكن هذه القائمة نهائية بأي حال من الأحوال، حيث استمرت وسائل الإعلام المحلية في الإشارة إلى إمكانية إضافة شركات أخرى.

واعتبارًا من مارس، كانت الإمارات هي الدولة العربية الوحيدة التي استمرت في تعزيز استثماراتها بشكل مستمر. وكانت الإمارات أكبر مساهم في اثنتين من أكبر ثلاث شركات مدرجة في مصر، وهما "البنك التجاري الدولي" و"الشرقية للدخان".

 وكانت للإمارات علاقة وثيقة مع شركة ثالثة، وهي "مجموعة طلعت مصطفى" للتطوير العقاري، التي ستشارك في تطوير منطقة رأس الحكمة، وتمتلك حاليًا حصصًا في الفنادق المذكورة سابقًا، بفضل الأموال التي حصلت عليها من "ADQ".

تتنافس السعودية والإمارات على ريادة الاستثمارات في المنطقة. وفي حين أدت مخاوف بشأن تقييم "المصرف المتحد"، ومقره في القاهرة، إلى انسحاب المملكة من محادثات الاستحواذ عليه العام الماضي، إلا أن بعد صفقة رأس الحكمة، عادت السعودية للنظر في خطتها لتطوير منطقة ساحلية قرب منتجع شرم الشيخ في سيناء المصرية، وفقًا لتقرير نشرته بلومبرغ في مارس.

من جهته، أجرى صندوق الثروة السيادي القطري محادثات للاستحواذ على حصة الحكومة المصرية في شركة "فودافون مصر" للاتصالات المتنقلة، وهي أحد الأصول الثمينة في أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، والذين يقارب عددهم 105 مليون نسمة.

تعتبر السياحة هدفًا أساسيًا للاستثمار في مصر، نظرًا للتراث الثقافي الهائل للبلاد، وفقًا لتقديرات مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في "بنك أبوظبي التجاري". 

وأعلنت الحكومة المصرية خططًا لزيادة أعداد السياح إلى 30 مليون سائح سنويًا بحلول نهاية العقد، مقارنة بالرقم القياسي السابق البالغ 14.9 مليون سائح في العام الماضي.

 وترى مالك أن الأصول السياحية في مصر "تحتاج حقًا إلى استثمارات ضخمة لإعادتها إلى معايير السفر الراقية. ويمكن لدول الخليج توفير استثمارات ضخمة وقدرة مثبتة على تنفيذ المشروعات".

الساحل الشمالي مصدر جذب استثماري

يتميز ساحل مصر الشمالي بالفخامة، حيث يمتد من شاطئ البحر الذهبي في غرب الإسكندرية باتجاه الحدود الليبية. كانت هذه المنطقة مفضلة منذ فترة طويلة للأثرياء المصريين الذين يقضون الصيف في فيلات أو شقق داخل مجمعات سكنية مسوّرة. 

وعلى الرغم من جمال مياهها الزرقاء الفاتنة التي لا مثيل لها في منطقة البحر المتوسط، إلا أنها لم تستقطب سوى القليل من السياح الغربيين.

لكن مع ظهور سلسلة من الأبراج السكنية المطلة على البحر، بدأت تلك المنطقة تلفت انتباه المستثمرين الخليجيين. ومن بين المهتمين، محمد العبار، مؤسس شركة "إعمار العقارية"، وفقًا لثلاثة مصادر مطلعة طلبت عدم الكشف عن هوياتها.

 وأشار أحدهم إلى أن البيع المقترح لعدد قليل من الأبراج التي تملكها الحكومة يمكن أن يحقق عائدًا يصل إلى ملياري دولار لمصر.

وعلى بعد نحو 160 كيلومترًا إلى الغرب، سيبدأ العمل في مشروع رأس الحكمة العملاق في عام 2025. ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء مجتمع نشط على مدار العام، مشابه لما يجري في الجونة، وهي مدينة تقع على ساحل البحر الأحمر في مصر، والتي تشتهر بمهرجاناتها الثقافية وحياتها الليلية. وقد أعلنت "ADQ" في فبراير عن استثمارات تبلغ 150 مليار دولار في المنطقة، مما يعكس التزامًا قويًا بتنمية هذا القطاع الحيوي.